مقالة : دميل لتجور، الملك المسلم؛ وقفة عن حياته (الجزء الأول ) .

0
152

بقلم الباحث المؤرخ : الحاج مور نياغ الجلوفي .

بعد عام ١٨٦١م ظهر في ساحة النضال والمقاومة في بلاد ولوف شاب نبيل وظريف، لاحَ نجمه بعد أحداث قرية “Xabnaan” التاريخيّة. ثم اصبحَ مجاهدا ومقاوما في ارشيف الإسلام بعدَ مغادرته ارض كجور “Kajoor” وأحسن إسلامه في بلاد “Saalum” عند الإمام العادل، والداعية الجليل، تفسير “Maba Jaxu Ba”. رسم هذا الشاب الظريف بصماته في تاريخ السنغال وبالأخص تاريخ “كجور” عندما قام أمام البيض الغاشمينَ، وقرأ بصوته الجهوري على مسامعهم آياتِ الإباءِ والشهامةِ، فتقهرت فرنسَا، ثم ايقنت بأن تدمير هذا البطل الثائر ليس سهلا، فَمهدت طريقها إلى هدم مملكة كجور في الداخلِ، فَصافح بعض رجالها، وأغدقت للبعض الهدايا وهم _ زعماء كجور _ لا يفهمون ولا يعقلون ثم لا يعلمون بأن بعض السمّ في العسلِ… ففي “Xabnaan” بدأت قصة هذا الامبراطور العظيم، والملك الجليل “Lat Joor” ثم انتهى عند بئر “Dexle” حيثُ خانه أصدقاءه وأقرباءه. فهلك البطل ومات معه بعض أبنائه البواسل عام ١٨٨٦م. ففي دراسة تاريخ هذا البطل المسلم، تعرف بأن الملك لا يعرف الأبوة ولا بنوة ناهيك عن القرابات الدموية و علاقات الصداقة التي في بلاد السود التي تفسدها غالبا الثروة والجاه. ففي سيرة هذا الهمام ترى لطف الله تعالى في كل شيء، شاب طموح لا يسهر إلا لحماية ارض آبائه من أعدائه، وبالأخص الأعداء الخارجيين الذين كانت فرنسا يومئذ تمثلهم… علمنا الامير البطل خلال ساعات حياته القصيرة بأن الحياة عقيدة وجهاد، عقيدة تدعوا إلى نبذ النفاق والأنانية، جهاد ترمز الإثير وعدم الخضوع امام عدو مهما كانت قوته المادية قوية ودمارة. فلولا إخوته من بني جنسه ما قسم الحاكم العام في “Ndar” آبائه، ولولا المنافقون والمرتذقون من أمراء كجور ما فكر البيض قط في إرسال جنوده المحليين “Les espiheses” لمواجهة أكبر ملك عرفه تاريخ “كجور” الذي أقام وأقعد أكبر سفاك وفاجر عرفه تاريخ الاستعمار الغربي في افريقيا وهو الجنرال والحاكم فِهديرب “Fehderhbe”! إن صفحات “دَميلْ” لتجور في كتاب عباقرة السنغال، لجدير بالدراسة، لما فيها من العبر التي تدعوا القرآن الإنسانيةَ إلى الاعناء بها في دراسة التاريخ ﴿إن في ذلك لعبرة﴾

ومن يصفح ارشيف العظماء منذ بداية التاريخ يرى بأنه طالما دل البعرة على البعير! ويعرف الرجال عند الامتحانِ! فهذا هو الأمير البطل “لتجور” زامن جل العلماء والحكماء والأمراء السنغاليين الذي رسموا بصماتهم الخالدة في جريدة الإنسانية خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وفي النصف الأول أيضا من القرن العشرين؛ أمثال الإمام تفسير مَابا “Tafsiir Màbba” والشيخ عبد الله نيَاس، “Maam Ablaay Ñass” والقاضي مجخته كلَ “Ma-jaxate Kala” والشيخ الحاج مالك سي “Alaaji Maalik” والشيخ احمد بمبا “Ahmadu Bamba” والسيد بن مقداد سيك “Bun Miqdaad” والقائد دمبَ وار سال “Demba Waar”.

ولدَ لتجور عام ١٨٤٢م داخل أسرة دينية وملكية شهيرة فهو “جوب سنْت” و”فال خِيتْ” كما يقول المؤرخون الشفويونَ. تعلم الأمير القرآن الكريم في صغره عند قرية “Longoor Mbay” ثم غادر المحاظر في سن مبكر؛ لعلمه التام بأنما ينتظره في حياته هو حماية أرض أجداده من ويلات الحساد والغاشمين وليس إنشاء القرى ودعوة الناس إلى الدين الحنيف ديدنُ العلماء والشيوخ في البلد؛ لأن دور العلماء في بلاد ولوف وبالأخص أرض كجور كانَ دورا بالغ الأهمية، وذلك لمكانتهم الاجتماعية والاقتصادية الفعالة، فكانوا مصلحين اجتماعين، وملاذا لجل الحائرين والمستضعفينَ. ويظهر ذلك في مساعدة علماء “ككي” “Kokki” دميل لتجور في مواجهته الأول مع دميل “مجوجو” “Ma-joojo” ولم يكن ذلك بالجديد بنسبة لأهل كجور، فقد ساعد العلماء والمسلمونَ ال “دميل” الحقيقي لكجور “همري انغوري صوبيل” لترسيخ دعائم ملكه الجديد _ فلا تلتفت أيها القارئ الجميل إلى خزعبلات هؤلاء الذين يقولون بأن الوثنية كانت سائدة في كجور قبل القرن التاسع عشر الميلادي، وينسون بأن رجال الدين الإسلامي شاركوا بالفعل في حماية الثقافة السنغالية الإسلامية والإفريقية بكل ما لديهم من طاقة، فاءذكر مدرسة “بير” “Pir” التي قامت في العقد الأول من القرن السابع عشر الميلادي على أيدي أسرة القاضي عمرو فال، العالم الكجوري الأصول، والفوتي النشأة. وكذلك مدرسة “ككي” “Kokki” التاريخية الي لعبت دورا رياديا في ترسيخ الأمن والسلام في أرض كجور _ وقل مثل ذلك في مواقف القاضي “انجاي سال” “Njaay Sall”.

فنحن في يوم ١٢ من شهر يناير عام ١٨٦٤م في منطقة كجور حيث يلتقى جيش دميل لتجور بجيش التحالف العرمرم، ذاك الجيش الذي قام للثأر، ودفن عارهم يوم “انغول انغول” “Ngol-ngol”. ويجدر الاشارة هنا إلى أن لتجور وجيشه هزموا جيش التحالف في معركة “انغول انغول” عام ١٨٦٣م حيث فر البيض الفرنسيينَ من المعركة مع رجالهم من الزنوج المرتزقين، فَيمكن القول بأن الأمير البطل، دميل لتجور دخل التاريخ بمصراعيه بعد هذه المعركة، وفوزه على قوة التحالف، فأظهر للشعب الكجوري جبن البيض وحبهم للحياة؛ ثم إن الأمير مسح بهذا الفوز العظيم تلك الفكرة السائدة _ في بلاد الزنوج _ التي كانت تقول بأن القوة الكبرى في المنطقة لا يملكه إلا البيض.

ففي تلك معركة “انغول انغول” خسرت فرنسا في ساحة المعركة أكثر من ١٣٠ جندي ومن ابرز هؤلاء لاقوا حتفهم قائدهم “لُورَانز” “Lorenge” فغنم الكجوريون بغنائم كثيرة؛ منها الأسلحة والحصون وغيرها. وبعد أن خرج البيض من المعركة بهذه الفضيحة، قاموا وشمروا وراء عميلهم “دميل مجوجو” على الأخذ بثأرهم، فجمعوا قوة كبيرة من البيض والسود مع أسلحتهم الحديثة بأمر من فرعون عصره “فهديرب” لمواجهة الملك الجديد، الشاب الظريف دَميل “لتجور”.

وقبل أن يلتقي الجيشانِ في ساحة الوغى، قامَ المفسد والمغرور قائدهم “بين لابراد” “Pened Labrad” بحرق جل القرى الكجورية، التي كان أهلها يساعدون لتجور في معاركه، وفي تنفيذ مشروعه السياسي؛ وذلك لتخويفهم، وترغيبهم حتى لا يفكرونَ دخول الحرب القادمة جنب الأَمير البطل. وهذا القائد “بني لابراد” يعد من أكبر السفاحين والسفاكين الفرنسيين في السنغال، فهو من قام بحرق جامعة “بير” كما حرق قرى كثيرة في سالم اثناء ذَهابه إلى بلاد سالوم بغية الهجوم على الدولة الاسلامية عام ١٨٦٥م؛ فإن كان “فيهديرب” هو فرعون عصره، ومخطط مشروع الاستعمار الفرنسي في السنغال، فهذا السفاح المغرور “لابراد” هوَ _ بلا أَي شك _ هامان.

يعد معركة “لورو” Loro” نهاية المرحلة الأولى من حياة “لتجور”؛ استعد جيش التحالف الذي كانت فرنسا تمولها وكانت هي بمثابة الروح للجيش؛ فقد كان العميل “مجوجو” يظن بأن فرنسا تعمل لصالحهِ، وفي الحقيقة كان البيض يقاتلون لأجل تنفيذ مشروعهم السياسي والاقتصادي، ذاك المشروع الذي رسمته الوزارة الاستعمارية لمد نفوذهم الاقتصادية في غرب إفريقيا، فشمروا على بناء سكة حديدية، تنطلق من المدينة الجديدة “دكار” مرورا بكجور و”اندر” ثم “مالي” إلى أرض “نجير”

التقى الجيشان في قرية “لورو” يوم ١٢ من يناير ١٨٦٢م وبعد ساعات من القتال، قتل البيض الغاشمين من جيش لتجور ما يقارب ٥٠٠ رجلا، عندما استعملوا اسلحة عصرية _ تقارب اليوم الأسلحة النووية _ فتاكة، فخسر الآباء المعركةَ ثم عزم البطل الشاب، الأمير لتجور وأهله مغادرة كجور ﴿إن أرض الله واسعة﴾ قاصدا بلاد “سين سالم” “Siin Saalum” ريثما يسترجعونَ قوتهم. وبعد خروج لتجور قام البيض الغاشمين بتعيين الأمير “مجوجو” سفيرا لهم في كجور؛ لأجل هذا الحدث التاريخي يمكن القول بأن بعض الملوك في السنغال، وبالأخص الدماميل في كجور لم يكونوا إلا عملاء لفرنسا الغاشمة، فلا تعجب إذا رأيت بعض قائمة الملوك في كجور لا تصل إلى العدد المألوف (٣٣).

هكذا عاش الأمير لتجور الملك _ دميل _ الحقيقي والأخير لمملكة كجور قبلَ هجرته إلى أرض سالم، حيث فتح هناك صفحة جديدة في حياته؛ لأنه واصل رسم بصماته في تاريخ السنغال وبالأخص التاريخ السياسي للإسلام، وكان المسلمون في سالم _ بزعامة الإمام مابا _ يومئذ بحاجة ماسة إلى من يساعدوهم، لتنفيذ مشروعهم التجديدي والإصلاحي في منطقة السينغامبيا!

الجلوفي
١/مايو/٢٠٢٤م

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici